ستشهد هذه الشراكة غير المتوقعة تصادم عالمي كرة القدم والفورمولا 1. وعلى المدى الطويل، قد يؤدي تعاونهما إلى إحداث تغيير إيجابي كبير في رياضة السيارات.

في نهاية فبراير من هذا العام، أعلن فريق فورمولا 1 وفريق توتنهام هوتسبير في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم عن شراكة مدتها 15 عاماً. تتضمن الصفقة العديد من المبادرات التي تهدف إلى مساعدة العلامتين التجاريتين على تحقيق أهداف مشتركة، مثل خفض انبعاثات الكربون. ومع ذلك، فإن الميزة التي استحوذت على العناوين الرئيسية لهذه الصفقة هي إنشاء مضمار سباق في ملعب توتنهام.

من المقرر أن تقع تحت المدرج الجنوبي لملعب توتنهام الحديث، وستصبح أول منشأة كارتينغ كهربائية في العالم داخل الملعب وأطول منشأة في لندن. يخططون لإقامة مسارات منفصلة للكبار والصغار، مما يعني أن هذه المنشأة الجديدة تتماشى مع هدف رياضة السيارات في المملكة المتحدة المتمثل في “إلهام وتمكين المزيد من الأشخاص من المشاركة في رياضتنا في بيئة آمنة وعادلة وممتعة وشاملة وتقدمية”.

هذا ليس أول مشروع مشترك لتوتنهام مع رياضة أخرى، حيث تم الاتفاق على صفقة في عام 2018 تقضي بإقامة مباراتين في الموسم الواحد على ملعبه في دوري كرة القدم الأمريكية. الملعب هو المكان المثالي لمثل هذه المشاريع، حيث إن تقنيته المتطورة للغاية تعني أنه يمكن تقسيم ملعب كرة القدم ولفه بعيداً، مما يسمح بتحويل الملعب إلى ملعب اتحاد كرة القدم الأمريكية.

منذ بناء ملعبه الجديد في عام 2018، يطمح توتنهام إلى تحقيق نجاحات في مجالات أخرى غير مجاله، ليصبح أكثر من مجرد نادٍ لكرة القدم. وقد علق رئيس مجلس إدارة النادي، دانيال ليفي، قائلاً “لطالما كان طموحنا منذ بناء هذا الاستاد هو أن نرى إلى أي مدى يمكننا أن نرتقي في تقديم تجارب عالمية المستوى تجذب الناس من جميع أنحاء العالم على مدار العام. لقد تمكنا من جلب أكبر الأسماء في مجال الرياضة والترفيه إلى لندن N17. نحن متحمسون للغاية بشأن ما ستجلبه هذه الشراكة طويلة الأمد مع الفورمولا 1 لمجتمعاتنا العالمية والوطنية والمحلية.

وبصرف النظر عن مضمار السباق الرائع، من المهم استكشاف الأسباب الأخرى التي تجعل هذه الصفقة منطقية بالنسبة للفورمولا 1. حيث تتشارك العلامتان أهدافاً متشابهة عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، كما أن موقع الاستاد في شمال لندن يجعله المكان المثالي لفورمولا 1 لتحقيق هدفهم المتمثل في جعل الرياضة أكثر تنوعاً. ولكن كيف سيحققون ذلك فعلياً…؟

أهداف الاستدامة المشتركة

كما نسلط الضوء في RTR في كثير من الأحيان، تنمو الفورمولا 1 بمعدل مذهل، وقد أدى الانتشار العالمي المتزايد لهذه الرياضة إلى إحداث الكثير من التغيير الإيجابي في العالم. كانت قضية التغير المناخي من القضايا التي تصدت لها الرياضة بشكل مباشر، مع وضع خطة طموحة تتمحور حول هدف تحقيق بصمة كربونية صفرية بحلول عام 2030.

وبالمثل، أطلق توتنهام العديد من المبادرات التي تهدف إلى الحد من بصمته الكربونية. ومن بين الأمثلة على ذلك الطاقة المستدامة للملعب، ومخطط الأكواب القابلة لإعادة الاستخدام، وخطة بيئية مفصلة، من بين أشياء أخرى كثيرة. لقد قدم توتنهام مثالاً يحتذى به لأندية كرة القدم الأخرى في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما أن احتلال النادي صدارة “جدول الاستدامة في الدوري الإنجليزي الممتاز” دليل على العمل الرائع الذي قام به.

من الواضح أن هاتين العلامتين التجاريتين لهما أهداف مشتركة؛ وبالتالي، فإن التوافق مع بعضهما البعض أمر منطقي للغاية. وكجزء من هذه الشراكة، سيعملان معاً على مبادرات جديدة للاستدامة بهدف تحقيق أهدافهما. تتطلع فورمولا 1 إلى تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2030، بينما سيتطلع توتنهام إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030 قبل أن يصبح صافي انبعاثاته صفرية أيضاً بحلول عام 2040.

العمل في المجتمع

مما لا شك فيه أن موقع الملعب كان عاملاً هائلاً في قرار فورمولا 1 بالشراكة مع توتنهام، ولكن ربما ليس للأسباب التي تفكر فيها. يبدو أن هذه الشراكة ستكون أكثر من مجرد شراكة تجارية، حيث تهدف فورمولا 1 إلى استخدام القاعدة الجماهيرية المتنوعة لتوتنهام للعمل على زيادة التنوع في رياضة السيارات.

يقع ملعب توتنهام في لندن في واحدة من أكثر المدن تنوعاً في العالم. في تعداد عام 2021، 46.2% من السكان ينتمون إلى مجموعات عرقية آسيوية أو سوداء أو مختلطة أو “أخرى”، و17% آخرون ينتمون إلى الأقليات العرقية البيضاء. وهذا ما يجعل لندن المدينة المثالية لـ F1 لتنفيذ مهمتها، وهي تقدم مجموعة واسعة من الفرص لجميع أنواع الأشخاص.

سيتعاون توتنهام مع فورمولا 1 لتطوير برنامج جديد لأكاديمية السائقين للمساعدة في اكتشاف موجة جديدة من المواهب. ومن المؤكد أن توتنهام لا تنقصه المعرفة في إشراك الشباب في لندن، حيث يمتلك حالياً واحدة من أفضل أكاديميات كرة القدم في البلاد، وإذا كان بإمكانهم مشاركة خبراتهم مع الفورمولا 1، فقد لا يمر وقت طويل قبل اكتشاف لويس هاميلتون القادم. وستشمل البرامج الشعبية الأخرى قيامهم بتقديم أنشطة تعليمية في المدارس لعرض مهن في رياضة السيارات والهندسة وحتى تطوير البرمجيات. سيساعد ذلك في تسليط الضوء على مسار مهني ربما يكون غير معروف لملايين الطلاب.

وكما هو الحال مع أهداف الاستدامة، فإن الطموح إلى توفير المزيد من الفرص للشباب هو طموح مشترك، وإذا جمعت العلامات التجارية معرفتها، فقد تحقق نجاحاً كبيراً. وهذا ما أكده ستيفانو دومينيكالي، الرئيس التنفيذي لفورمولا 1: “لدى علامتينا التجاريتين رؤية مشتركة لخلق فرص وظيفية تغيّر حياة الناس، وتعزيز التنوع والاندماج، كما هو الحال من خلال أكاديمية الفورمولا 1 التي تم الإعلان عنها مؤخراً، ودفع الاستدامة البيئية – شراكتنا المبتكرة ستحقق كل ذلك.

ولكن لماذا تركز الفورمولا 1 على إشراك شباب لندن على وجه التحديد؟ تأتي هذه الشراكة في أعقاب إنشاء لويس هاميلتون للجنة هاميلتون في عام 2020. وقد تم تأسيسها من قبل أسطورة الفورمولا 1 في محاولة “لتحسين تمثيل السود في الرياضة البريطانية” واتخذت خطوات كبيرة نحو إشراك المزيد من الشباب السود في عالم رياضة السيارات. وتعهد هاميلتون بالمساعدة في كسر الحواجز التي يشعر أنها منعت رياضة السيارات من أن تكون “متنوعة مثل العالم من حولنا”. من المؤكد أن شراكة الفورمولا 1 مع توتنهام ستعتمد على عمل هاميلتون الرائع وينبغي أن تبدأ في إلهام المزيد من المجموعات غير الممثلة تمثيلاً كافياً في المملكة المتحدة للانخراط في رياضة السيارات، سواء كان ذلك من خلال أكاديمية سائقي الفورمولا 1 أو مجموعة واسعة من برامج التدريب المهني.

الصور، من الأعلى إلى الأسفل: ماكس فيرستابن يقود سيارته على حلبة ناجي فوتام 2018 © Práger Péter, Fotóshírek szerkesztőség, Creative Commons Zero, Public Domain Dication